mostafagad المدير العام
| موضوع: فى الممنوع الإثنين يناير 12, 2009 2:39 am | |
| لفت نظري.. طبيبي الفرنسي إلي عدم الخروج إلي الشارع صباح يوم الخميس إلا بعد انتهاء موعد الإضراب. سألته: إضراب إيه؟ قال: إضراب أصحاب المعاشات من الموظفين العاملين في النقل العام. ولم أسأله: ما هي مطالبهم؟ وهل سيؤثر الإضراب علي عمله كطبيب وأستاذ جامعي؟ وهل سيذهب إلي المستشفي أم لا؟ لأن الإجابة عن هذه التساؤلات لا تعنيني، فضلا عن أن التحذير الذي يخصني هو عدم الخروج إلي الشارع، حتي لا أسجن بالساعات في سيارة الأجرة دون حراك متر واحد. لقد اعتاد الفرنسيون علي هذا المشهد، وعرفوا كيف يتعاملون معه، أما بلدياتي فليس له خبرة في هذا الشأن.. ومن غير المستحب، في حالة كحالتي، أن أدفع ثمن جهلي ونقص خبرتي وقلة حيلتي. وبعد مغادرتي حجرة الطبيب، رأيت أحد الأطباء الشبان سائرا في الطرقة المقابلة، وعلي ظهره لافتة مكتوب عليها: إضراب. يانهار مش فايت، إضراب داخل المستشفي. وهنا سألت.. وتقصيت وحاولت أن أفهم، فأطباء قسم الباطنة في المستشفي مضربون عن العمل وحدهم دون بقية أطباء المستشفي الجامعي. لم أسأل ما هي مطالبهم.. فهي عادة اقتصادية، ولأن الأمر في النهاية لا يعنيني، ثم إن فضولي لم يذهب بي إلي طرح هذا السؤال علي نفسي أو علي غيري، لأنني لست في حاجة إلي طبيب أمراض باطنة، وتركيزي علي قسم الأورام.. وبالتالي فالإضراب لا يخصني، ولا يؤثر علي وضعي كمريض.. هكذا انتهي بي الحال، مع أن وظيفتي وعملي أن أسأل وأستفسر وأن أنكش وأن أكتب. لكن ماذا يفعل مرضي الباطنة خلال ساعات أو أيام الإضراب.. هل يكفون عن الشكوي، ويتوقفون عن الألم والصراخ، فالإضراب قد يقتصر علي عدة ساعات، ويفوت علي خير وقد يمتد إلي أيام، ولا يستطيع أحد في كل فرنسا أن يعارض حق الإضراب. قد يتضرر البعض أو حتي كثيرون منه، لكنهم لا يستطيعون إعلان معارضتهم مبدأ الإضراب نفسه، فهو حق مشروع لكل فرنسي قد يكون لي اليوم، وقد يكون لك غدا. وقيل لي إن أطباء الباطنة، لا يستقبلون مرضي جددا خلال فترة الإضراب، لكنهم لا يتوقفون عن العمل أو أداء رسالتهم وعملهم للمرضي المقيمين في المستشفي، وإلا يكونوا قد خرجوا علي قواعد الإضراب، وقد تجد إدارة المستشفي أو الجامعة مبررا في فصلهم من عملهم. وفي فرنسا لا يهزرون.. فأنت إذا كان لك حق فسوف تأخذه، وإذا كان عليك واجب، فلن تعفي من دفعه. هذه قاعدة لا يجرؤ أحد علي اختراقها في كل فرنسا، وإذا حدث واخترقت لتحولت إلي قضية رأي عام. أذكر أنني وقفت في طابور التاكسي أمام برج إيفل بباريس، ونزل السائق منزعجا يحقق معي: هل أخذت دور غيري؟ فضميره لا يسمح له بأن أحصل علي حق راكب آخر في الدور، حتي لو سمح ضميري أنا بذلك. لايزال المجتمع الفرنسي بعد مرور أكثر من ٢٠٠ سنة علي ثورته العظيمة، يحترم شعارها: الحرية والإخاء والمساواة، ولايزال قادرا علي إدهاشي، وعلي تجديد خلايا حية في جسدي غير تلك التي اخترقتها الأورام، وتسبب لي الآلام. فالحرية حقيقية، وليست مزيفة.. والإخاء فريضة علي كل فرنسي.. والمساواة واقع، وليس كلام جرائد صادرا عن مسؤول في الحزب الوطني. | | |
|